فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفراء:

سورة الفجر:
{والفجر وَلَيالٍ عشر وَالشَّفْعِ والوتر}
قوله عز وجل: {والفجر...} {وَلَيالٍ عشر...}.
حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: حدثني قيس بن الربيع عن أبى إسحق عن الأسود بن يزيد في قوله: {والفجر} قال: هو فجركم هذا.
{وَلَيالٍ عشر} قال: عشر الأضحى.
{وَالشَّفْعِ...} يوم الأضحى، و{والوتر...} يوم عرفة.
حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: وحدثني شيخ عن عبدالملك ابن أبى سليمان عن عطاء قال الله تبارك وتعالى: الوتر والشفع: خلقُه.
قال حدثنا الفراء قال: وحدثني شيخ عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال: الوتر آدم، شُفِع بزوجته. وقد اختلف القراء في الوتر: فقرأ الأعمش والحسن البصرى: {الوِتر} مكسورة الواو، وكذلك قرأ ابن عباس.
وقرأ السلمي وعاصم وأهل المدينة {الوَتر} بفتح الواو، وهى لغة حجازية.
{وَاللَّيْلِ إِذَا يسر}
وقوله عز وجل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يسر...}.
ذكروا أنها ليلة المزدلفة، وقد قرأ القراء: {يسرى} بإثبات الياء، و{يسر} بحذفها، وحذفها أحب إلىّ لمشاكلتها رءوس الآيات، ولأن العرب قد تحذف الياء، وتكتفى بكسر ما قبلها منها، أنشدنى بعضهم.
كفّاكَ كفٌّ ما تُلِيقُ دِرْهَماً ** جوداً، وأخرى تُعطِ بالسيف الدِّما

وأنشدنى آخر:
ليس تَخفَى يسارتى قدر يوم ** ولقد تَخفِ شيمتى إعسارى

{هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حجر}
وقوله عز وجل: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حجر...}.
لذى عقلِ: لذى سِتْر، وكله يرجع إلى أمر واحد من العقل، والعرب تقول: إنه لذو حجر إذا كان قاهرًا لنفسه ضابطا لها، كأنه أخذ من قولك: حجرت على الرجل.
{إِرَمَ ذَاتِ العماد}
وقوله جل وعز: {إِرَمَ ذَاتِ العماد...}.
لم يجر القراء {إرم} لأنها فيما ذكروا اسم بلدة، وذكر الكلبى بإسناده أن {إرم} سام بن نوح، فإن كان هكذا اسما فإنما ترِك إجراؤه لأنه كالعجمى. و{إِرم} تابعةٌ لعادٍ، و{العماد}: أنهم كانوا أهل عَمَد ينتقلون إلى الكلأ حيث كان، ثم يرجعون إلى منازلهم:
{وثمود الَّذينَ جَابُواْ الصَّخْرَ بالواد}
وقوله عز وجل: {جَابُواْ الصَّخْرَ...} خرقوا الصخر، فاتخذوه بيوتاً.
{وَفِرْعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ}
وقوله عز وجل: {وَفِرْعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ...}.
كان إذا غضب الرجل مدّه بين أربعة أوتاد حتى يموت معذبا، وكذلك فعل بامرأته آسية ابنة مزاحم، فسمى بهذا لذلك.
{فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عذاب}
وقوله عز وجل: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عذاب...}.
هذه كلمة تقولها العرب لكل نوع من العذاب، تُدخل فيه السوط. جرى به الكلام والمثل. ونرى ذلك: أن السوط من عذابهم الذي يعذبون به، فجرى لكل عذاب إِذ كان فيه عندهم غاية العذاب.
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمرصاد}
وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمرصاد...}. يقول: إليه المصير.
{وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقدر عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقول رَبِّي أَهَانَنِ}
وقوله جل وعز: {فَقدر عَلَيْهِ رِزْقَهُ...}.
خفف عاصم والأعمش وعامة القراء.
وقرأ نافع وأبو جعفر: {فقدر} مشددة، يريد (فقتّر) وكلٌّ صواب.
{كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ}
وقوله عز وجل: {كَلاَّ...}.
لم يكن ينبغى له أن يكون هكذا، ولكن يحمده على الأمرين: على الغنى والفقر.
{وَلاَ تَحَآضُّونَ على طَعَامِ الْمسكينِ}
وقوله عز وجل: {وَلاَ تَحَاضُّونَ على طَعَامِ الْمسكينِ...}.
قرأ الأعمش وعاصم بالألف وفتح التاء.
وقرأ أهل المدينة: {ولا تَحُضُون}.
وقرأ الحسن البصرى: {ويحُضون ويأكلون}، وقد قرأ بعضهم: {تُحاضون} برفع التاء، وكل صواب. كأن {تُحاضون} تحافظون، وكأن، {تُحضون} تأمرون بإطعامه، وكأنَّ {تَحاضُّون}: يحض بعضكم بعضا.
{وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكلا لما وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حبًّا جَمّاً}
وقوله عز وجل: {أَكلا لَّمًّا...} أكلا شديدا {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حبًّا جَمّاً...} كثيرا.
{يَقول يا ليتني قَدَّمْتُ لحياتي}
وقوله عز وجل: {يَقول يا ليتني قَدَّمْتُ لحياتي...}.
لأخرتى التي فيها الحياة والخلود.
{فَيومئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عذابهُ أحد}
وقوله عز وجل: {فَيومئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عذابهُ أحد...}.
قرأ عاصم والأعمش وأهل المدينة: {لا يعذِّب عذابه أحد ولا يُوثِقُ} بالكسر جميعا.
وقرأ بذلك حمزة حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: وحدثنى عبد الله بن المبارك عن خالد الحذاء عن أبى قِلابة عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: {فَيومئِذٍ لا يُعذَّب عذابه أحد ولا يُوثَق وَثاقَه أحد} بالفتح.
وقال أبو عبد الله محمد بن الجهم: سمعت عبدالوهاب الخفاف بهذا الإسناد مثله حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد.
قال: حدثنا الفراء قال: حدثنى عبد الله بن المبارك عن سليمان أبى الربيع عن أبى عبد الرحمن السلمى أنه قرأ: {لا يُعذِّبُ عذابه أحد ولا يُوثِقُ} بالكسر، فمن كسر أراد: فيومئذ لا يعذِّب عذاب الله أحد، ومن قال: {يعذَّب} بالفتح فهو أيضًا على ذلك الوجه: لا يعذَّبُ أحد في الدنيا كَعذاب الله يومئذ. وكذلك الوجه الأول، لا ترى أحدا يعذب في الدنيا كعذاب الله يومئذ. وقد وجّهه بعضهم على أنه رجلٌ مسمّى لا يعذَّب كعذابه أحد.
{ياأَيَّتُهَا النَّفْسُ المطمئنة ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ راضية مرضية}
وقوله عز وجل: {ياأَيَّتُهَا النَّفْسُ المطمئنة...}.
بالإيمان والمصدِّقة بالثواب والبعث {ارْجِعِي...} تقول لهم الملائكة إِذا أُعطوا كتبهم بأيمانهم {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} إلى ما أعد الله لك من الثواب. وقد يكون أن يقولوا لهم هذا القول ينوون: ارجعوا من الدنيا إلى هذا المرجع. وأنت تقول للرجل: ممن أنت؟ فيقول: مضرى. فتقول: كن تميميا، أو قيسيا. أى: أنت من أحد هذين. فيكون (كن) صلةً كذلك الرجوع يكون صلة لأنه قد صار إلى القيامة، فكأن الأمر بمعنى الخبر، كأنه قال: أيتها النفس أنت راضية مرضية.
وقرأ ابن عباس وحده: {فادخلى في عبدى وادخلى جنتى} والعوام {فى عبادى}. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة الفجر:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بعاد إِرَمَ ذَاتِ العماد}
قال: {بعاد} {إِرَمَ} فجعل {إِرَمَ} اسمه وبعضهم يقول {بعاد إِرَمَ} فاضافه إلى {إِرَمَ} فاما ان يكون اسم ابيهم اضافه إليهم، واما بلدة والله أعلم.
{وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقدر عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقول رَبِّي أَهَانَنِ}
وقال: {فَقدر عَلَيْهِ رِزْقَهُ} وقال بعضهم {قدر} مثل {قَتَّرَ} واما {قدر} فيقول: يعطيه بالقدر. اهـ.

.قال ابن قتيبة:

سورة الفجر:
2- {وَلَيالٍ عشر} يعني: عشر الأضحى.
3- {وَالشَّفْعِ}: يوم الأضحى. {والوتر}: يوم عرفة.
و{الشّفع} في اللغة: اثنان، و{الوتر}: واحد.
قال قتادة: الخلق كله شفع ووتر، فأقسم بالخلق.
وقال عمران بن حصين: الصلاة المكتوبة منها شفع ووتر.
وقال ابن عباس: الوتر آدم، والشفع شفع بزوجه حواء عليهما السلام.
وقال أبو عبيدة: {الشّفع}: الزّكا، وهو: الزّوج. و{الوتر}: الخسا، وهو: الفرد.
4- {وَاللَّيْلِ إِذا يسر} أي يسرى فيه. كما يقال: ليل نائم، أي ينام فيه.
5- {لِذي حجر} أي لذي عقل.
9- {جابُوا الصَّخْرَ}: نقبوه واتّخذوا منه بيوتا.
16- {فَقدر عَلَيْهِ رِزْقَهُ} أي ضيّق عليه. يقال: قدرت عليه رزقه، قثرته.
19- و{التُّراثَ}: الميراث. والتاء فيه منقلبة عن واو. كما قالوا: تجاه، والأصل: وجاه وقالوا: تخمة، والأضل: وخمة.
{أَكْلًا لما} أي شديدا. وهو من قولك: لممت الشيء، إذا جمعته.
20- {حُبًّا جَمًّا} أي كثيرا.
21- {دُكَّتِ الْأَرْضُ}: دقّت جبالها وأنشازها، حتى استوت. اهـ.

.قال الغزنوي:

سورة الفجر:
1، 2 {والفجر} صلاة الفجر، {وَلَيالٍ عشر}: عشر ذي الحجة.
3 {وَالشَّفْعِ}: الخلق، {والوتر}: الخالق.
4 {وَاللَّيْلِ إِذا يسر}: سأل المؤرّج الأخفش عن سقوط الياء فقال: لا، حتى تخدمني سنة. فسأله بعد سنة. فقال: أمّا الآن فاللّيل لا يسري وإنّما يسرى فيه، فقد عدل به عن معناه فوجب أن يعدل عن لفظه، كقوله: {وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} ولم يقل (بغية) لأنّه معدول عن (الباغية).
5 {لِذي حجر}: عقل.
9 {جابُوا الصَّخْرَ}: قطعوها ونحتوها بيوتا.
14 {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمرصاد}: لا يفوته شيء من أمور العباد.
19 {أَكْلًا لَمًّا}: قال الحسن: أن يأكل نصيبه ونصيب صاحبه أو خادمه.
22 {وَجاءَ رَبُّكَ}: أمره وقضاؤه.
25 {فَيومئِذٍ لا يُعَذِّبُ}: لا ينقل عذابه عنه إلى غيره فدية له.
27 {يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المطمئنة}: أي: إلى الدنيا، وقيل: المخبتة. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة الفجر:
عدد 10 و89.
نزلت في مكة بعد سورة والليل.
وهي ثلاثون آية، ومثلها من عدد الآي تبارك، والملك والسجدة.
ومائة وتسع وثلاثون كلمة.
وخمسمائة وسبعة وتسعون حرفا.
لا يوجد سورة في القرآن مبدوءة بما بدئت به ولا مختومة بما ختمت به.
لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى: {والفجر 1} أقسم تعالى بانبلاج الصبح لما فيه من انقضاء الليل وظهور الضوء وانتشار الخلائق في طلب أرزاقها، قال ابن عباس أراد به صلاة الصبح لأنها مفتتح النهار وتشهدها الملائكة مستدلا بقوله تعالى: {إِنَّ قرآن الْفَجْرِ كانَ مَشهوداً} الآية 18 من سورة الإسراء الآتية والأرجح أن المراد واللّه أعلم هلال ذي الحجة بدليل اقترانه بقوله: {وَلَيالٍ عشر 2} ولا عشر إلا عشر ذي الحجة لما فيها من الفضل العظيم، لأنها أيام الاشتغال بالحج أخرج الترمذي عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل فيهن أحب إلى اللّه من هذه الأيام العشر. قيل يا رسول اللّه ولا الجهاد في سبيل اللّه؟ قال: ولا الجهاد في سبيل اللّه إلا رجل جاهد في سبيل اللّه بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».
وهناك أقوال أخرى بأنها عشر المحرم، أو عشر رمضان الأواخر، أو مطلق فجر، وليست بشيء تجاه هذه لا تصالها بفجر العيد ولتأييدها بالحديث المار ذكره {وَالشَّفْعِ} الذكر والأنثى، والحق والباطل، والإيمان والكفر، والهدى والضلال، والسعادة والشقاوة، والليل والنهار، والأرض والسماء، والشمس والقمر، والبر والبحر، والنور والظلمة، والجن والإنس، والعزة والذلة، والقدرة والعجز والقوة والضعف، والعلم والجهل، والغنى والفقر، والعمى والبصر، والموت والحياة، وغيرها من كل ما خلق اللّه {والوتر 3} من ذلك كله أو هو يوم عرفة أو يوم النحر وقد جاء في الحديث المروي عن
جابر المرفوع الذي أخرجه الإمام أحمد والنسائي «أنه يوم النحر ويوم عرفه» وجاء في حديث عمران بن حصين حين الذي أخرجه أحمد والترمذي بلفظ حديث غريب «أنهما الصلاة شفعها ووترها» وإذا صح هذان الحديثان على علة تضاربهما فإنهما لا يخصصان المدلول بل يكونان على طريق التمثيل فيما رؤي بتخصيصه بالذكر فائدة معتمدا بها وعليه فيجوز للمفسر أن يحمل اللفظ على معنى آخر من مشتملاته ومحتملاته لفائدة أخرى {وَاللَّيْلِ إِذا يسر 4} أي سرى فيه من عرفات إلى مزدلفة وهي ليلة النحر وقيل ليلة القدر لأن الناس تقومها، والأول أولى لمناسبة السياق والسباق، وقد حذفت الياء في {يسر} بلا حاذف واكتفى بالكسرة عنها للدرج.
وقد سأل رجل الأخفش عن سقوط هذه الياء، فقال: لا أجيبك حتى تخدمني سنة، ففعل ثم سأله فقال الليل لا يسري وإنما يسرى فيه فلما عدل في معناه عدل عن لفظه موافقة.
ويقال ليل نائم أي ينام فيه وصلّى المقام أي صلّى فيه أنظر رحمك اللّه فضل العلم من أجل كلمة خدم سنة ألا لمثل هذا فليعمل العاملون، وبه فليتنافس المتنافسون هذا، وإذا أريد مطلق ليل فيصح أيضًا على أن يلاحظ نعمة السير فيه للحفظ والوقاية من حر الشمس ومن قطاع الطريق وقطع المسافات ولهذا قيل (عند الصباح يحمد القوم السرى) وجواب القسم محذوف تقديره ليعذبن الكافر ولينعمنّ المؤمن، ثم التفت في الاخبار إلى الخطاب فقال: {هَلْ فِي ذلِكَ} المقسم به أيها الناس {قَسَمٌ لِذي حجر 5} عقل أم لا وسمي العقل حجرا لأنه يحجر صاحبه عن النقائص وعقلا لأنه يعقله عن القبائح ونهى لأنه ينهاه عن ما لا يليق وحجى لأنه يحاج به وهذا الاستفهام تقديري أتى به للتأكيد ولا يجاب إلا ببلى أي نعم إن هذه الأقسام فيها مقتنع ومكتفى لمن له لب ويسمى العقل لبا لأنه قلب الشيء وخلاصته وإنما أقسم بتلك الأشياء لما فيها من عجائب ودلائل على كمال قدرته ووحدانيته ثم خاطب حبيبه بقوله: {أَلَمْ تَرَ} يا أكمل الرسل وهذا استفهام تقديري أيضًا أي ألم تعلم يقينا علما يوازي المعاينة {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بعاد 6} حيث أهلكهم فلم يبق لهم أثرا ولما كانت عادا أولى وأخيرة وإن الأولى تسمى عاد إرم ليدل منها قوله: {إِرَمَ ذاتِ العماد 7} يدل عليه قوله في الآية 50 من سورة النجم الآتية {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الأولى} فإذا أطلقت عادا دون إرم فالمراد بها الأخيرة والعماد هي السواري والأساطين المرتفعة أي ذات البناء الرفيع المرتكز على على العمد العالية {الَّتِي لَمْ يُخلق مِثْلُها فِي البلاد 8} أي لم يقدر أحد أن يبني أو يعمل قبلهم ولا بعدهم حتى الآن مثلها وهذه المدن التي نوه اللّه بعظمتها واقعة بين عمان وحضر موت بأرض رمال قال تعالى: {وَاذكر أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ} الآية 21 من سورة الأحقاف والأحقاف هي الرمال، وما قيل إنها بالإسكندرية أو الشام ينافيه سياق الآيات إلا أن يقال ما هنا يراد به عادا الأولى وما في الأحقاف الأخيرة ويلزم أيضًا عدم اتحاد منازلهما لأن بينهما مسافات عظيمة بعيدة عن التوفيق.
وفي هذه الآية تخويف للكافرين وهو أنه تعالى الذي أهلك هؤلاء الذين كانوا أشد منكم يا أهل مكة قوة وأكثر أموالا وأولادا قادر على إهلاككم، راجع تفسير الآية 15 من قسم السجدة أي سورة فصلت، وكانوا مع ذلك جسيمين طوالا، قالوا وسميت ذات العماد لأن عادا كان له ابنان شداد، وشديد، فلما مات شديد خلص الملك إلى شداد ودانت له ملوك الأرض وكان يقرأ الكتب القديمة فلما جاء على ذكر الجنة قال سأبني مثلها فبنى بناية عظيمة في مجارى عدن استغرقت ثلاثمائة سنة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت وشجرها من جميع أصناف الأشجار ونسّق فيها الأنهار.
وعند ما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته وكانت على مسيرة يوم وليلة فبعث اللّه عليهم صيحة من السماء فهلكوا جميعا، روى وهب بن منبه عن عبد اللّه ابن قلابة أنه خرج في طلب إبل له شردت فبينما هو يسير في مجارى عدن إذ وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن، وحول الحصن قصور كثيرة، فلما دنا منها ظن أن فيها أحدا ليسأله عن إبله، فلم ير داخلا فيها ولا خارجا منها، فنزل عن دابته وعقلها وسل سيفه خوفا من أن يصادفه فيها أحد فيقاتله، ودخل من باب المدينة فإذا هو ببابين خطيرين مرصعين بالياقوت الأحمر، فدهش وفتح الباب ودخل فإذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها وإذا فيها قصور في كل قصر منها غرف فوقها غرف مبنية بالذهب والفضة، ومرصعة بأحجار اللؤلؤ والياقوت، وإذا أبواب تلك القصور مثل مصاريع باب المدينة يقابل بعضها بعضا، وكلها مفروشة باللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران، فلما عاين ذلك ولم ير أحدا هاله ما رأى ثم نظر إلى الأزقة فإذا فيها أشجار مثمرة وتحت الأشجار انهار مطرّدة يجري ماؤها في قنوات من فضة، فقال في نفسه هذه الجنة وحمل معه من لؤلؤها وترابها وبنادق مسكها وزعفرانها ورجع إلى اليمن وأظهر ما كان معه، وحدث بما رأى، فبلغ ذلك معاوية فأرسل اليه فقدم، فسأله عن ذلك فقص عليه ما رأى فبعث إلى كعب الأحبار فسأله فقال هي إرم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أسقر على حاجبه خال وعلى عقبه خال، يخرج في طلب أبل له، ثم التفت فأبصر من قلابة على الوصف الذي ذكره كعب، وهذه كالسد إذ رآه جماعة زمن الواثق باللّه.
راجع تفسير الآية 92 من الكهف.
هذا وكلما جاء لفظ كعب بلا نسبة فالمراد به هذا، واني لم أنقل عنه ما يتعلق بأمر الدين البته خشية التهمة لأنه متوغل بالكتب القديمة وهو تابعي والتابعيون غيره كثير أكتفى بالنقل عنهم عند الحاجة.
قالوا ولما أراد عملها، اخرج جماعة يطوفون في الأرض ليجدوا أرضا موافقة، فوقفوا على صحراء نقية من التلال فيها عيون ماء وحروج فاختاروها وكان عمر الملك عند بنائها تسعمائه سنة، ولما فرغوا منها قال لهم اجعلوا حولها حصنا وابنوا حوله الف قصر واجعلوا على كل قصر علما ليقيم بها الوزراء ففعلوا، ولما أمر بالنقلة استغرقت نقلتهم عشر سنين ولما قربوا منها عن يوم وليلة اخذتهم الصيحة كما تقدم قال تعالى: {وثمود الَّذينَ جابُوا} قطعوا {الصَّخْرَ بالواد 9} فعل بهم أيضًا كما فعل بعاد وهم أول من قطعوا الصخور في الوديان ونحتوه واتخذوا منه مساكن وبيوتا وقالوا انهم بنوا ألفا وتسعمائة مدينة من الحجارة المنحوتة وسنأتي قصتهم مفصلة في تفسير الآية 79 من الأعراف الآتية {وَفِرْعَوْنَ ذي الأوتاد 10} أي الملك الراسخ ذي الجنود الكثيرة الشديد البطش قال الأسود بن يعقر بن عنينة.
ولقد غنوا فيها بأنواع النعم في ظل ملك راسخ الأوتاد وكان إذا عذب أحدا (عذبه اللّه) ربطه بين أوتاد أربعة ثم أوقع عليه عذابه.
قاتله اللّه فلذلك سمى من الأوتاد وكانت مضارب (بيوت شعر) يضربونها إذا نزلوا في البادية وخباء كثيرة لكثرة جنده وما يدل على أنه كان يعذب بالأوتاد.